استيقظت فى احدى ايام الشتاء القارس على هيصة و زيطة عندما علمت والدتى بأن انبوبة البوتجاز قد فرغت و ايضاً لم تستطع تحضير الافطار و خطرت ببالها فكرة جهنمية ألا و هى ان تنقل انبوبة السخان الى البوتجاز و اهو نصّرف نفسنا بالماء البارد افضل بكثير ان نظل بلا طعام.
بعد ان تناولنا الافطار، الغداء، و العشاء و الحمدلله الدنيا اخر حلاوة، فجأة ظهر غضب امى من جديد عندما فكرت ان تقوم بإحضار الحلبة الساخنة لتدفئة بطوننا المتكتكة من برودة الجو و قد وجدت ان الانبوبة الثانية قد فرغت هى الاخرى و كأنهم عاملين عليها روبطية.
ماذا تفعل تلك المسكينة و الساعة قد تجاوزت الحادية عشر و النصف مساءاً، لقد سلمت امرها لله و قُضيت الليلة و كلاً منا خلد الى النوم و اوصت ابى من النجمة ان يتنبه و يبحث عن مخرج لتلك الازمة الكامنة فى ان بيت يمتلئ بالبنى آدمين المحترمين خالى من غاز الانابيب و خاصة ان موزع انابيب المنطقة قد اصابه مكروه ومتغيب قرابة الاسبوع و اكثر.
فى صباح اليوم التالى غادر ابى الى اقرب مخزن للانابيب – اللى معرفش هو فين – و كانت هى الازمة الاكبر عندما تلقت امى مكالمة من زوجها الغائب تفيد انها لا تقلق عليه لان الطابور طويل و جايب اخر مدد الشوف. و لكن ماذا نفعل هنقضيها سندوتشات و لا تيك اواى و الى متى سوف ننتظر دورنا او حتى اذا جاء هل سوف تتواجد تلك الاسطوانة اللعينة ام لا، جلست فى بلكونة بيتنا فى منتهى البرود و فى عز البرد اتذكر اغنية فى احدى الافلام و هى "انبوبة بعتلها جواب، انبوبة ولا سألت فيا، انبوبة اية الاسباب؟ انبوبة ما تردى عليا!!"
فات من الوقت حوالى ساعتين ولا اخبار تأتى من اتجاه مخزن الاسطوانات و مازالت لا اعرف مكانه، جاء ببالى اخرج ثانية الى البلكونة اللى جابها لنا ابويا الغايب فى طابور الانابيب و اهو اى حاجة تيجى من ريحة الحبايب، و لكن كانت المفاجأة عندما وجدت زحام شديد و اصوات تتعالى و أناس من كل الاعمار و الاجناس – رجالة و ستات يعنى – و تشابك بالايدى احياناً والاحيان الاخرى تشابك بالالفاظ والالسنة الطويلة الزفرة و تسألت ما هذا؟ و يا خبر بفلوس بكرة يبقى ببلاش و لم يأتى "بكرة" و عرفت الخبر "ببلاش" بعد خمس دقائق انه ذلك الطابور الممتد من ناحية المخزن الى بيتنا و حتى الآن لا اعرف مكانه حتى الآن و لكن من الواضح ان الحال تردى.
و ظل الحال كما هو عليه و اذا اردت ان تشترى دماغك من تلك الطابور عليك ان ترمى بياضك يا حلو و تدفع اضعاف اضعاف ما كنت تدفعه فى الظروف الطبيعية و ظلت الازمة تتفاقم يوم بعد يوم و لا احد يسأل و لم يرجع أبى من الطابور و لكننا كنا نعرف اخباره عبر وسائل الاعلام عندما كانوا يسجلوا معه بما انه علامة من علامات طابور مخزن الحى و يعرفه منه السير الذاتية لضحايا هذا الطابور اذا كانوا من المصابين او القتلى و ماذا حدث جعل الاحوال توصل لهذه الدرجة من العنف و قلة الصبر، و اخيراً بعد حوالى خمسة ايام انفرجت الازمة و رجع ابى بالانبوبة و بجانبه شخص غريب يحمل انبوبة ثانية و عاد سالماً الى المنزل و الحمدلله.
و عندما عاد ابى مرة اخرى الى المنزل اخذنا نتناقش فى مشروع قد تم عرضه منذ عام و هو ان سوف يتم ضم اسطوانات الغاز الى بطاقة التموين و تكون بكوبونات مثل ما كان الجاز قديماً ايام جدتى و كانت ايضاً هناك نفس المشكلة التى تحدث على الاسطوانات و فى نفس المواعيد المخصصة للمشكلة كل عام ... سبحان الله، و هل ان هذا المشروع وهذه الفكرة سوف تحل المشكلة أم انه مجرد وجع قلب جديد و اعباء عاملة نيو لوك و خلاص.
ملحوظة هذه القصة هى نتاج الخيال المريض الذى يتمتع به الكاتب - اللى هو انا يعنى و بكل فخر – لأن الغاز فى بيتنا منذ حوالى سبعة عشر عام و فى الحى عموماً ولا نعانى و لله الحمد من هذه المشكلة و لكن هناك مناطق اخرى و محافظات اخرى يعانون من هذه الازمة كل عام فى بداية الشتاء و كأنها مناسبة وطنية وعادة سنوية و زادت انها ظهرت فى اواخر الشتاء ايضاً.
1 comments:
LIke
اسلوب رائع
إرسال تعليق