الاثنين، 3 ديسمبر 2012

الطوابق الخرسانية

لكل منا ذكريات طفولته الخاصة به أياً كان مكان معيشته وصندوق اسراره او مكان اختفاء واعتزاله عن العالم وجلوسه مع نفسه والحكم على كل من حوله مثل والديه، اخوته، اصدقائه، زمائل الدراسة وهناك دائماً تلك الدُمية 
المفضلة صديقة الطفولة والأقرب إليه من الجميع.

كانت هى كذلك، منذ نعومة أظافرها وهى رومانسية حالمة تهوى خيالها وما في من افكار وتميل إلى الوحدة والاختلاء بنفسها وهى طفلة شقية تهوى اللعب واللهو مع اقاربها واصدقائها. ولكن هناك دائماً وقت للحكم على جميع مواقف الجميع معها سوياً مع دُميتها وتقول تعليقاتها على كل واحد على حدة وتشكر من هو له تأثير إيجابي في حياتها وتعاتب من يؤلمها ويعكر عليها صفو طفولتها الحالمة وعالمها الخاص الذي تدخله عندما يأتي موعد الخلود وقبل ان تغفي من الضروري ان تضع لنفسها مغامرة جديدة مع شاب وسيم تقابلت به في احدى الشوارع أو أحد الممثلين حتى ولو كان يكبرها في العمر.

كان هناك دائماً مكانها المظلم ... نعم، مُظلم، طفلة لم تتعد السابعة من عمرها لا تخشى الظلام ولكن بالعكس تعشقه وتجد نفسها فيه ضاربة بعرض الحائط قصص العفاريت والجان واللصوص وهناك ايضاً نافذة تطل على أرض فضاء وبعض من الأشجار والخضرة التي تحب ان تتأملها من الحين للأخر وتنظر إلى القطط المتسللين الباحثين عن طعام وكانت لا تتوانى عن مساعدة وإلقاء الطعام لهم ولا يقدر بثمن شعورها بالسعادة وهى تطعم مخلوق رقيق مثل القطط الذين فيما بعد كانت تعتبر نفسها من فصيلتهم ولكن في صورة إنسان.
كان هناك من كان يبعث لها رسائل بصافرة مميزة وكانت ترد عليه بنفس الصافرة وكانت تبحث عنه بعض الأشياء عندما تفتقده ولم يبدأ هو بالرسائل وكان لهم صدى صوت في وسط تلك الأرض الفضاء التي ظلت صندوق اسرارها السحري الذي لم ولن يعرف عنه أحد حتى عندما اعتزلت وضع المزيد بداخله، كانت من الوقت للأخر تقوم بفتحه والغوص في ذكرياته.

جاء الوقت وأصبحت تلك النافذة بمثابة ألم نفسي بعد أن شب به الحريق وأصبح مجرد أطلال ومجرد ذكرى سيئة لذكرى الحريق والمعروف إن أثرها النفسي سيئ على أي شخص مهما كان متزن نفسياً، إما هى فكانت تعاني من الكثير وأنتهى الأمر بسد هذه النافذة وأصبحت مجرد جدار تنظر إليه وتركز حتى ترى نفسها صغيرة وضفيرتها تنسدل على ظهرها ودموعها الغزيرة تغطي وجنتيها لأن والدتها قد تعدت عليها بالضرب دون أدنى سبب يذكر وتشكر والدها الذي دافع عنها واحتضنها.

برغم صغر سنها ولكن كانت تنفهم كبر سن والدها الذي من الممكن أن يتوفى بين الحين والآخر وحتى لو ان "الغرافة" طمأنته أنه سوف تتوفاه المنية عن سن الخامسة والثمانون أي بعد العديد من السنوات التي لم تأت بعد وكانت تنعي حظها وقدرها الذي سوف يأخذ بوالدها الطيب الحنون ويبقى على والدتها التى هى سبب عزلتها وحزنها.

بعد تلاشي النافذة، أصبح النظر إلى الأرض الفضاء مناسبة بالنسبة لها، تنظر وتستعجب على الزمن سريع النفس الذي يجري بها وبعمرها وبذكرياتها وبدأت اولى مواقف الغدر وهى ان جزء من الأرض يتم بنائه وبدأ تتلاشى نسائم الماضي والذكريات واختفت تماماً عندما تم بناء الجزء المتبقي وأصبحت تشعر بأختناق أنفاسها عندما أختنفت نسائم ذكريات طفولتها التي كانت عزائها الوحد وتغيرت معالم كل شيئ من حولها وأصبحت مجرد كلماتها تقولها في سريرتها دون ان يسمعها أحد غير وجدانها.

تلاشت النافذة .. تلاشى الفضاء .. اختفى راسل الرسائل الصوتية ولم تعرفه بعد .. وتبدل بطوابق خرسانية لم اي نوع من النسمات 

0 comments: