الأحد، 24 أبريل 2011

حدوتة الشتاء


استيقظت فى احدى ايام الشتاء القارس على هيصة و زيطة عندما علمت والدتى بأن انبوبة البوتجاز قد فرغت و ايضاً لم تستطع تحضير الافطار و خطرت ببالها فكرة جهنمية ألا و هى ان تنقل انبوبة السخان الى البوتجاز و اهو نصّرف نفسنا بالماء البارد افضل بكثير ان نظل بلا طعام.

بعد ان تناولنا الافطار، الغداء، و العشاء و الحمدلله الدنيا اخر حلاوة، فجأة ظهر غضب امى من جديد عندما فكرت ان تقوم بإحضار الحلبة الساخنة لتدفئة بطوننا المتكتكة من برودة الجو و قد وجدت ان الانبوبة الثانية قد فرغت هى الاخرى و كأنهم عاملين عليها روبطية.

ماذا تفعل تلك المسكينة و الساعة قد تجاوزت الحادية عشر و النصف مساءاً، لقد سلمت امرها لله و قُضيت الليلة و كلاً منا خلد الى النوم و اوصت ابى من النجمة ان يتنبه و يبحث عن مخرج لتلك الازمة الكامنة فى ان بيت يمتلئ بالبنى آدمين المحترمين خالى من غاز الانابيب و خاصة ان موزع انابيب المنطقة قد اصابه مكروه ومتغيب قرابة الاسبوع و اكثر.

فى صباح اليوم التالى غادر ابى الى اقرب مخزن للانابيب – اللى معرفش هو فين – و كانت هى الازمة الاكبر عندما تلقت امى مكالمة من زوجها الغائب تفيد انها لا تقلق عليه لان الطابور طويل و جايب اخر مدد الشوف. و لكن ماذا نفعل هنقضيها سندوتشات و لا تيك اواى و الى متى سوف ننتظر دورنا او حتى اذا جاء هل سوف تتواجد تلك الاسطوانة اللعينة ام لا، جلست فى بلكونة بيتنا فى منتهى البرود و فى عز البرد اتذكر اغنية فى احدى الافلام و هى "انبوبة بعتلها جواب، انبوبة ولا سألت فيا، انبوبة اية الاسباب؟ انبوبة ما تردى عليا!!"

فات من الوقت حوالى ساعتين ولا اخبار تأتى من اتجاه مخزن الاسطوانات و مازالت لا اعرف مكانه، جاء ببالى اخرج ثانية الى البلكونة اللى جابها لنا ابويا الغايب فى طابور الانابيب و اهو اى حاجة تيجى من ريحة الحبايب، و لكن كانت المفاجأة عندما وجدت زحام شديد و اصوات تتعالى و أناس من كل الاعمار و الاجناس – رجالة و ستات يعنى – و تشابك بالايدى احياناً والاحيان الاخرى تشابك بالالفاظ والالسنة الطويلة الزفرة و تسألت ما هذا؟ و يا خبر بفلوس بكرة يبقى ببلاش و لم يأتى "بكرة" و عرفت الخبر "ببلاش" بعد خمس دقائق انه ذلك الطابور الممتد من ناحية المخزن الى بيتنا و حتى الآن لا اعرف مكانه حتى الآن  و لكن من الواضح ان الحال تردى.

و ظل الحال كما هو عليه و اذا اردت ان تشترى دماغك من تلك الطابور عليك ان ترمى بياضك يا حلو و تدفع اضعاف اضعاف ما كنت تدفعه فى الظروف الطبيعية و ظلت الازمة تتفاقم يوم بعد يوم و لا احد يسأل و لم يرجع أبى من الطابور و لكننا كنا نعرف اخباره عبر وسائل الاعلام عندما كانوا يسجلوا معه بما انه علامة من علامات طابور مخزن الحى و يعرفه منه السير الذاتية لضحايا هذا الطابور اذا كانوا من المصابين او القتلى و ماذا حدث جعل الاحوال توصل لهذه الدرجة من العنف و قلة الصبر، و اخيراً بعد حوالى خمسة ايام انفرجت الازمة و رجع ابى بالانبوبة و بجانبه شخص غريب يحمل انبوبة ثانية و عاد سالماً الى المنزل و الحمدلله.

و عندما عاد ابى مرة اخرى الى المنزل اخذنا نتناقش فى مشروع قد تم عرضه منذ عام و هو ان سوف يتم ضم اسطوانات الغاز الى بطاقة التموين و تكون بكوبونات مثل ما كان الجاز قديماً ايام جدتى و كانت ايضاً هناك نفس المشكلة التى تحدث على الاسطوانات و فى نفس المواعيد المخصصة للمشكلة كل عام ... سبحان الله، و هل ان هذا المشروع وهذه الفكرة سوف تحل المشكلة أم انه مجرد وجع قلب جديد و اعباء عاملة نيو لوك و خلاص.

ملحوظة هذه القصة هى نتاج الخيال المريض الذى يتمتع به الكاتب -  اللى هو انا يعنى و بكل فخر – لأن الغاز فى بيتنا منذ حوالى سبعة عشر عام و فى الحى عموماً ولا نعانى و لله الحمد من هذه المشكلة و لكن هناك مناطق اخرى و محافظات اخرى يعانون من هذه الازمة كل عام فى بداية الشتاء و كأنها مناسبة وطنية وعادة سنوية و زادت انها ظهرت فى اواخر الشتاء ايضاً.

فى نهاية هذا الخيال الفضفاض احب ان اعرض اخر ما فيه، هو اننى احلم بأن يستفيد هؤلاء المواطنين من غاز هذه الارض الذى يخرج للآخريين و يتمتعون بيه و هنا اطفال لم يعثروا على الدفئ فى ليالى الشتاء بسبب مصالح شخصية قبل ان تكون وطنية او دبلوماسية و ان خلال ثلاث سنوات يكون قد وصل الغاز الطبيعى الى الاغلبية من الذين يعانون من ازمة الاسطوانات سنوياً مع التسهيل لهؤلاء فى السداد و تقليل نسبة الفوائد فى التقسيط ولا اتخيل ان هذا شيئ مستحيل او صعب تحقيقه و حتى يتحقق هذا الحلم ارجو من العاملين على عربات نقل الاسطوانات من المصانع او من المصدر الى المخازن الفرعية ان تتوخى الحذر فى التعامل مع الاسطوانات و عدم معاملتها على انها كرة شراب او كرة سلة و يجب معرفة قدر تلك القنبلة عندما تصطدم بالارض. و احب اقول لبابا ارجع بقى من الطابور ده انا كنت بجرب نفسى فى كتابة القصص القصيرة.

1 comments:

غير معرف يقول...

LIke
اسلوب رائع